يكفل القانون الدولي للطواقم الطبية العاملة في الأرض المحتلة قدرتها على القيام بمهامها في إنقاذ حياة المصابين دون خوفها من الاعتداء عليها أو عرقلة تقديمها للرعاية الطبية، إلا أن جيش الاحتلال الاسرائيلي ينتهج مهاجمة الطواقم والمرافق الطبية الفلسطينية حيث قام في عام 2022م لوحده بإصابة 105 فرداً من الطواقم الطبية—عبر استهدافهم بالرصاص الحيّ والمطاطيّ—كما ألحق الضرر بـ44 سيارة إسعاف وقام بعرقلة وصول 77 أخرى لأماكن أُصيب فيها فلسطينيون، ولازال مستمراً في العام الجاري في انتهاجه الاعتداء على الطواقم الطبية وعرقلة طواقم الإسعاف وتهديد حياة وسلامة الطواقم والمرضى.
وثّقت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني 11 اعتداءً على طواقمها الطبية خلال شهر يناير/كانون الثاني لوحده، حيث قام الجنود الاسرائيليون بتأخير أو منع وصول الطواقم الطبية لأماكن مصابين فلسطينيين في عشرة حوادث، بالإضافة إلى استهداف إحدى سيارات الإسعاف التابعة للجمعية بالرصاص المطاطيّ في 13 يناير في بيت أُمَّر في محافظة الخليل مما ألحق الضرر بها.
وفي هجومها الأخير على مخيم جنين للاجئين قامت قوات جيش الاحتلال الاسرائيلي بقتل عشرة فلسطينيين—من بينهم سيدة مسنّة—وبعرقلة سيارات الإسعاف الست التي توجهت للمخيم لتقديم الرعاية الطبية الطارئة. يفيد عزّام نمر—مدير مركز الإسعاف والطوارئ بالجمعية—أنه: "تم السماح لطواقمنا بالدخول للمخيم بعد ساعتين من تزايد أعداد المصابين والجرحى وبعد التنسيق عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وحتى بعد دخولنا المخيم تعرضنا لهجمات تحذيرية بالرصاص حول سياراتنا."
وأضاف: "سمحت القوات الاسرائيلية لطواقمنا بالدخول بعد تأكدها من مقتل العديد من المصابين، وهذه ليست المرّة الأولى أو الأخيرة التي تعرقل فيها القوات الاسرائيلية وصولنا حتى يؤول النزيف بالمصابين لمقتلهم."
"إغلاق المدن وتدفق المصابين متوقعان في أي لحظة"
لا يكتفي جيش الاحتلال الاسرائيلي بتصعيد العنف ضد الفلسطينيين حيث فرض المزيد من الاجراءات لتقييد حرية حركتهم—بما يشمل المرضى والطواقم الطبية—وبما في ذلك إغلاق مدن بأكملها، وتمتد هذه الاجراءات للقدس الشرقية المحتلة حيث تعرضت الطواقم الطبية التابعة لجمعية الهلال الأحمر مؤخراً لاجراءات تفتيش مطوّلة على الحواجز الإسرائيلية والتي أدت لتأخير وصولها لأماكن الأحداث وتهديد حياة المصابين ممن تنطوي كل دقيقة بالنسبة لهم على أمل ببقاءهم على قيد الحياة.
في السادس من فبراير/شباط قتلت القوات الاسرائيلية ما لا يقل عن خمسة فلسطينيين بعد اطلاق الرصاص عليهم خلال هجمتها على مخيم عقبة جبر للاجئين قرب مدينة أريحا—التي كانت تحت إغلاق اسرائيلي لأكثر من أسبوع حينها—ومنعت القوات الاسرائيلية الطواقم الطبية التابعة للجمعية من الوصول للمصابين وقامت باستهداف سيارة الاسعاف الخاصة بهم.
وتتبع هذه الاعتداءات اقتحاماً اسرائيلياً للمخيم سبقها بيومين منعت خلاله القوات الاسرائيلية سيارات الإسعاف التابعة لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول للمصابين الفلسطينيين وتقديم الرعاية الطبية لهم—بمن فيهم ثلاثة أصيبوا برصاص حيّ.
وفي 13 فبراير تم تصوير مركبة اسرائيلية عسكرية تمنع مسعفي الجمعية من مساعدة الفلسطينيين الذين أُصيبوا خلال هجمة جيش الاحتلال على نابلس—والتي أسفرت عن مقتل فلسطيني وإصابة سبعة آخرين.
ويشير عزّام إلى أن "إغلاق المدن وتدفق المصابين متوقعان في أي لحظة في ظل الوضع الحالي في الضفة الغربية، والذي يتمخض عنه تعامل طواقمنا الطبية مع كل مدينة على أنها معزولة عن غيرها؛ فعليَّ التأكد من أن كل مدينة لديها مستودعها الخاصّ وأنه يحتوي كمّيات تكفي لثلاثة أشهر من الأدوية والمستهلكات الطبية اللازمة في حالات الطوارئ فالجيش الاسرائيلي يمكنه إغلاق أي مدينة لأسابيع كما فعل السنة الماضية في نابلس، وهو ما يجعل استجابتنا الطبية شديدة التعقيد."
وتمتد الاجراءات الاسرائيلية ضد الطواقم الطبية الفلسطينية إلى بلدة شعفاط في القدس الشرقية حيث تفيد جمعية الهلال الأحمر بتعرض طواقم الطوارئ التابعة لها للتأخير والمعاملة الوحشية من قبل الجنود الاسرائيليين والذين طلبوا فحص هوياتهم وحققوا معهم بشأن المرضى الذين كانوا يحاولون إسعافهم.
تفرض إسرائيل على الفلسطينيين نظام هوية يمايز بينهم؛ فالفلسطينيون في الضفة الغربية يحملون بطاقة خضراء وهم بذلك مطالبون بالحصول على تصريح اسرائيلي لعبور الجدار الفاصل والوصول للقدس الشرقية، وهو نظام التمييز الذي استغلته اسرائيل مؤخراً في عرقلة وصول طواقم جمعية الهلال الأحمر لمخيم شعفاط للاجئين حيث تمنعهم الآن من الدخول مباشرةً للمخيم بالرغم من حوزتهم على تصريح اسرائيلي يتيح لهم عبور أي حواجز اسرائيلية أخرى.
كما يؤثر نظام الهويات المختلفة على الجرحى فالمصابون الفلسطينيون أو ذووهم باتوا يختارون التنقل عبر سيارات خاصّة عوضاً عن سيارات الإسعاف خوفاً من أن الأخيرة قد تتعرض لعرقلة سيرها والتحقيق مع ركّابها بما يؤخر من وصولهم للرعاية العاجلة.
في عامي 2021م و2022م قدمت جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) لجمعية الهلال الأحمر في القدس الشرقية سيارتي إسعاف مجهزتين بالكامل وخيمة لمستشفى ميداني بالإضافة إلى معدات ومستلزمات طبية أخرى، كما وفّرت ماب لمسعفي جمعية الهلال تدريباً في مجال الرعاية الأولية للإصابات؛ ولاتزال جمعية الهلال الأحمر بحاجة لمزيد من سيارات الإسعاف والمعدات والمستلزمات الطبية للتعامل مع ضحايا العنف شبه اليومي الذي تمارسه القوات الاسرائيلية والمستوطنون ضد الفلسطينيين.
نرجو مساهمتكم في استجابة ماب لحالة الطوارئ عبر التبرع لتعزيز دعمنا لجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني
يختم عزّام إفادته بالتأكيد على وجوب أخذ المجتمع الدولي لإجراءات عاجلة من أجل وقف الانتهاكات ضد الطواقم الطبية الفلسطينية: "حتى لو وفّرنا جميع احتياجاتنا المطلوبة فإن ذلك لن يوقف من العراقيل والانتهاكات التي تواجهها طواقمنا العاملة تحت ظروف الاحتلال. نحن بحاجة لدعمكم لحماية طواقمنا ومحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها لأبسط حقوق طواقمنا من أجل استمرارهم في عملهم لصون الحياة دون تعرضهم لأي اعتداءات."
ندعوكم لمراسلة ممثليكم البرلمانيين وحثّهم على مطالبة حكوماتهم بأخذ الإجراءات الكفيلة بإيقاف العنف الاسرائيلي ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وضد القطاع الصحي والطواقم الطبية.