تشكل نسبة الأشخاص ذوي الاعاقة حوالي 7% من مليوني فلسطيني يعيشون في غزة، حيث يواجهون صعوبات جمّة في الوصول لخدمات الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف في ظل الأزمة الإنسانية الناشئة عن الاحتلال الاسرائيلي والهجمات العسكرية المتكررة والحصار والاغلاق الاسرائيليين غير القانونيين.
في تحديهما لهذه الظروف تبذل جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) والمنتدى الاجتماعي التنموي جهوداً حثيثة لتلبية حاجات الأشخاص ذوي الاعاقة وتمكينهم من مناصرة حقوقهم بشكل فعّال.
ناجي ناجي—عضو مجلس الادارة في المنتدى ومستشار حقوق ذوي الاعاقة—يشارك في هذه المدونة تجربته مع الاعاقة في غزة ويتحدث عن أثر أنشطة المنتدى على معرفته ونشاطه الحقوقي:
اسمي ناجي ناجي وهو مشتق من النجاة ولا أمانع الاشارة لي على أني ناجٍ فأنا أنجو كل يوم من الظروف التي أعيشها وأستمر في محاولة فعل ذلك.
كنت في الخامسة عشر من العمر في 17 يوليو 2007م حين تغيّرت حياتي للأبد، كنت واقفاً بالقرب من بيتي في غزة حين انفجر بجانب ساقي جسم مشبوه—مواد لم تنفجر مثل قذائف الدبابات والهاون والقنابل والصواريخ. خرجت أمي بسرعة من البيت وطلبت لي الإسعاف وفي المستشفى قرر الأطباء بتر ساقي اليسرى. كل ما أذكره هو أن المسعفين سألوني اذا ما كنت أشعر بساقي أم لا؛ بينما كان أبي يمسك بيدي ويبكي.
استيقظت بعد ست ساعات في سريري في المستشفى لأجد صندوقاً بجانبه وقد وُضعت فيه ساقي المبتورة—أو ما تبقى منها. لم أدرك أنها ساقي حتى سحبت غطاء السرير جانبا ورأيت فقط واحدة من ساقيّ. بكيت وبقيت مصدوماً لفترة طويلة.
أخذتُ بعدها بفهم العالم عبر تجربتي مع ساق واحدة وكان ذلك أهمَّ عنصر لقبول حياتي وخوضها، وحين تخرجتُ من الجامعة انضممتُ للعديد من الفلسطينيين في غزة الذين لم يحظوا بفرصة عمل ثابتة، وبدأتُ بالبحث عن فرص تدريبية لتغيير مجرى حياتي وعثرتُ حينها على مركز "وصلة" للمناصرة الرقمية.
يعمل مركز "وصلة"—والذي تم إنشاءه عبر شراكة بين ماب والمنتدى—على تعزيز شمول الأشخاص ذوي الاعاقة وتمكينهم ومناصرة حقوقهم من خلال التدريبات الرقمية والمبنية على حقوق الإنسان.
لم أكن على دراية كبيرة بقضايا وحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة قبل التحاقي بـ"وصلة" فقد كنت أصحو كل يوم وأرتدي ساقي الاصطناعية وأحاول الاستمرار في حياتي، ولكن "وصلة" منحني الإرشاد والتدريب لصناعة المحتوى الرقمي والقيام على أنشطة المناصرة وتعزيز الوعي، وقد خصصتُ وقتي في العامين الماضيين لمناصرة حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة.
كما طوّرت عبر مشاركتي في "وصلة" مهارات التواصل لديَّ، وتعلمتُ الكثير عن حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة. كان المدربون في المركز شباباً محفَّزين وقاموا بتدريبي على الدفاع عن قضاياي بثقة، وأعتبر نفسي اليوم ناشطاً اجتماعياً بفضل "وصلة". في الـ17 من يوليو من كل عام—اليوم الذي تغيرت فيه حياتي—أقوم بتصوير مقطع فيديو في مركز"وصلة" ومن ثَم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي لرفع مستوى الوعي بقضايا وحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة.
في عام 2021م، أنشأتُ ناديًا لركوب الدراجات للأشخاص الذين يعانون من بتر الأطراف للتنقل عبر الدرّاجات حول غزة فالرياضة مهمة للغاية لصحتي النفسية والجسدية، كما تشكّل تلك فرصة مهمة للتوعية بفوائد الدرّاجات وقدرة الأشخاص ذوي الاعاقة على قيادتها. أعتبر درّاجتي شيئي المفضل وأقوم بقيادتها كل صباح.
في اليوم الدولي للأشخاص ذوي الاعاقة في العام الماضي شاركتُ في حملة رياضية قام على تصميمها وتنفيذها أعضاء من مركز "وصلة" بهدف التوعية بحقوق الأشخاص ذوي الاعاقة في الوصول الكامل لكافّة المرافق الرياضية. أحبُّ جميع أنواع الرياضة وأستخدم عكازاتي للعب كرة القدم والمشاركة في سباقات الركض.
أصبحتُ 30 عاماً الآن وأريد من كل شخص تَعرض أو سيتعرض لبتر أحد أطرافه أن يعلم أن بمقدوره الاستمرار في خوض حياة كاملة فلمجرد فقدان أحد أطرافك لا يعني فقدان حياتك. نصيحتي لكل من يخوض مرحلة مكثفة من إعادة التأهيل إثر حالة بتر أن يكون ذاتَه وأن يحاول تشجيع نفسه والتحكم بأفكاره. سيكون هناك عقبات وكدمات على طول الطريق ولكن التحدي في مجمله يستحق المثابرة.
نرجو تبرعكم الكريم اليوم للمساهمة في العمل الهام الذي تسعى عبر ماب وشركاؤها لتعزيز حقوق وكرامة الأشخاص ذوي الاعاقة في فلسطين ولبنان.