تحدثت ترنيم حمّاد—مسؤولة المناصرة والتواصل في مكتب ماب بغزة—مع هدى* عن آمال الأخيرة ومخاوفها حول نشأة طفلتها إيمان في غزة. تدوّن ترنيم هنا النصف الأول من سياق ومجريات الحديث مع أمهات الأطفال في غزة.
تواجه إيمان مستقبلاً تُحرَم فيه من الحرية والكرامة بفعل الحصار والإغلاق غير القانونين الذين تفرضهما إسرائيل على قطاع غزة منذ 16 عاماً، وتنشأ في حاضرٍ من الانهيار الاقتصادي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة بما يعرضها ويعرض الأطفالَ مثلَها لانعدام الأمن الغذائي ومخاطر سوء التغذية المزمن.
من غير المفاجئ في هذا السياق أن يعاني الجيل الأحدث سناً في غزة من متوسط عمرٍ أقلَّ بتسع سنوات من العمر المتوقع لنظراءهم الأطفال في إسرائيل؛ خاصةً مع تدهور منظومة الرعاية الصحية، وتعدد معيقات الصحة العامة مثل محدودية الوصول لمياه الشرب الصحيّة، وشحّ فرص الحياة الممكنة في مساحةِ غزة الصغيرة والتي تقيّد وتقلّص إسرائيل من حرية الحركة منها وإليها.
يشكل اللاجئون أكثر من ثلثيّ سكّان غزة وهم من طُرد ذووهم أو أُجبروا على الفرار من المدن والقرى المحيطة بغزة خلال النكبة قبل 75 عاماً، بما يعني أن العديد من الفلسطينيين الأحدث سناً في غزة يولدون أيضاً في سياق من الهجرة القسرية مطوّلة الأمد.
في حديثها معي أخبرتني هدى عن أمنيتها بالإنجاب عبر سنين عديدة:
"لقد أصبحتُ أُمّاً للمرة الأولى في عمر التاسعة والثلاثين حين أنجبتُ طفلتي إيمان. كان الحمل صعباً لأنني تعرضتُ لارتفاع مفاجئ في ضغط الدم وهو ما عرّض حياة الجنين للخطر.
وُلدت إيمان قبل أوانها وبلغ وزنها حوالي كيلو ونصف فقط. لقد كان جهازها المناعي ضعيفاً وخضعت للعناية المركزة لـ45 يوماً، كما أن ولادتها المبكرة زادت من خطر إصابتها باعتلال الشبكية—وهو مرض يصيب عيون ]الأطفال الخدّج[ وقد يتسبب في فقدانهم البصر.
تم نقل إيمان بشكل عاجل لقسم رعاية حديثي الولادة، المدعوم من ماب، في مستشفى النصر للأطفال حيث شُخّصت حالتها وأُجريت لعينها عمليةٌ جراحية بالليزر. أنا ممتنةٌ للغاية أنَّ طفلتي بحالة جيدة الآن."
بحسب المعلومات لدى كلٍ من ماب ووزارة الصحة الفلسطينية في غزة فإن معدل الوفيات بين حديثي الولادة في غزة بلغ 7.9 من بين كل 1,000 حالة ولادة حيّة في 2022 وهو أكثر بحوالي ثلاث مرات من ذات المعدل في إسرائيل (2.7 من بين كل 1,000 حالة ولادة حيّة)؛ إلا أن المعاناة لا تقتصر على ذوي حديثي الولادة الذين يفقدون أطفالهم فعاجلاً ما يواجه الأهالي الذين يُولد أطفالهم بسلامة تحديات جمّة في بعض مستشفيات غزة بسبب الاكتظاظ فيها وشح مواردها—بالتزامن مع أول نَفَسٍ للمواليد.
قمنا في ماب بأخذ خطوات هامّة في مواجهة بعض التحديات في هذا السياق الصعب، حيث ساهمنا في الحفاظ على بصر الأطفال عبر توفير علاج الليزر لاعتلال الشبكية لدى الأطفال الخدّج والتي لم يسبق لأي جهة أخرى توفيرها في غزة، كما طوّر طاقمنا بروتوكلات التشخيص والعلاج وقمنا بتوريد الأدوية الأساسية ومعدات التشخيص بما فيها معدات متطورة للعلاج بالليزر.
عقدنا بالإضافة إلى ذلك ورشات موسّعة للطواقم الطبية العاملة في قسم العناية المركزة لحديثي الولادة لتدريبهم على آليات الكشف عن اعتلال الشبكية لدى الأطفال الخدّج ونجحنا في تدريب أكثر من 705 طبيب وممرض وقابلة ممن يعملون في أقسام التوليد ورعاية حديثي الولادة. في إشارتها لأهمية هذا العمل تخبرني هدى أن "المضاعفات الصحيّة التي عانت منها إيمان كانت لتغيّر حياتها بالكامل لولا دعم ماب".
وبالرغم من مساهماتنا تلك إلا أن أوجه العجز لازالت موجودة بالمقارنة مع الاحتياجات الصحية المهولة في غزة، فهناك العديد من المخاطر التي يواجهها حديثو الولادة بما فيها نقص الأدوية والمستهلكات الطبية والمعدات وأدوات مكافحة العدوى والمهارات المهنية اللازمة للطواقم الطبية العاملة في مجال رعاية حديثي الولادة.
كما أن هناك نقصاً في حاضنات الأطفال والتي تُضطر الطواقم الطبية لاستعمال الواحدة منها لاحتضان أكثر من طفل واحد بسبب عدد المواليد الكبير، وهو ما يؤثر على صحة حديثي الولادة ويزيد من فرصة إصابتهم بالعدوى والتسمم.
يوجد اليوم 56 طفلاً حديث ولادة بحاجة للرعاية الصحية في مستشفى الشفاء إلا أن عدد الحاضنات المتوفرة لا يتجاوز 41، ولذلك يقوم مدراء أقسام رعاية الأطفال حديثي الولادة في بعض الحالات بالتنسيق مع بعضهم البعض لتحويل الأطفال من الحضانة في مستشفى لأخرى ولكن الحاضنات اليوم مستهلكة بالكامل؛ فغالباً مثلاً ما يتم إدخال 150حوالي -160 طفلاً خديجاً شهرياً إلى مستشفى الشفاء فقط ممن يحتاجون للبقاء تحت الرعاية لمدة تترواح بين ثلاث أيام وثلاث أسابيع. كما أن نقل طفل حديث الولادة يتطلب حاضنات نقل متخصصة ويشكّل بذلك عبئاً إضافياً على ذويه وعلى الطواقم الطبية، خاصةً وأن تكلفة الحاضنة الواحدة تبلغ حوالي 17,000 جنيه استرليني (أكثر من 21,000 دولار أمريكي).
وفي شرحها لي عن صعوبة الواقع والمستقبل أمام طفلتها تخبرني هدى:
"لا أعلمُ ما سيحصل لطفلتي في المستقبل وهذا ربما هو الجزء الأكثر صعوبة في الأمر كله. لا أعلمُ إذا ما كانت ستعيشُ نكبةً جديدةً أو تجد رعاية طبية حال احتاجتها في المستقبل.
لقد وُلدت تحت الحصار وفي ظلّ انقطاع الكهرباء ولا أدري إذا ما كانت سترى يوماً حياة خالية من الحصار ومن القيود على حرية الحركة والسفر. لقد نجت من العدوان العسكري على غزة في أيّار دون أن تبلغ عاماً من العمر حتّى، والاحتلال والحصار الاسرائيليان يؤثران على جزءٌ من حياتها والتي بدأت في سياقٍ من التراجع الاقتصادي؛ بالكاد أستطيع شراء الحليب والحفاظات لها كل شهر.
"لقد أسميتها إيمان... لأني آملُ أن يمنحها الإيمان حياة كريمة وبشكل مغاير لظروف ولادتها لكي تكبر في سلام كبقية الأطفال حول العالم ولكي تحلم وتحقق أحلامها ولكي تكون قادرةً على الوصول للرعاية الطبية حال حاجتها لها. أنا مؤمنة بأن وجود الدعم الكافي سيمكّنها من القدرة على الاستمتاع بأصغر الأشياء وأنها ستكون سعيدة في ارتباطها بأسرتها ومجتمعها."
يمكنكم قراءة النصف الثاني من التدوينة حول مستقبل الأطفال حديثي الولادة في غزة حين نشره في الأيام المقبلة، وحتى ذلك الحين نرجو فضلكم في إضافة صوتكم ودعمكم لحملتنا "جيل فلسطين" من أجل ضمان مستقبل أفضل للأطفال الفلسطينيين مثل إيمان.
*تم تغيير الأسماء لحماية الخصوصية.