تحدثت ترنيم حمّاد—مسؤولة المناصرة والتواصل في مكتب ماب بغزة—مع رباب عن آمال الأخيرة ومخاوفها حول نشأة طفلها يحيى في غزة. تدوّن ترنيم هنا النصف الثاني من سياق ومجريات حديثها مع أمهات الأطفال في غزة.
إثر تشخيصه بحالة من سوء التغذية دخل يحيى في عمر الـ21 شهراً عيادة جمعية أرض الإنسان التي تقوم—وبدعم من ماب—على توفير العلاج لذوي الحالات المشابهة، حيث تأخذ حالات سوء التغذية بالانتشار بين سكّان غزة في ظلِّ الحصار والإغلاق الخانقين وغير القانونين الذين تفرضهما إسرائيل عليهم منذ 16 عاماً والذين يتسببان في معدلات فقر وبطالة مرتفعة للغاية. بات عُشر الأطفال في غزة يعانون من التقزم وهو ما يمنعهم من تحقيق كامل نموهم وإمكانياتهم، كما أن وصولهم المحدود لخدمات الرعاية الصحية الجيدة يفاقم من آثار هذه الظروف على صحتهم وحياتهم.
تُخبرني رباب أن ميلاد طفلها يحيى مثّل بصيص أملٍ لها دون أن تقدر على الاحتفاء بذلك:
"بميلاد يحيى أصبح لديّ ما أتطلع له وما يجلب لي السعادة؛ ولكن مشاهدة معاناته كانت قاسية على قلبي. حتى حين تعافيه وخروجه من العيادة ظلّت مستويات دمه منخفضة جداً، ولازلتُ أسعى به من مستشفى لأخرى لأجد تشخيصاً لحالته فالحالات والأمراض التي يمكن الوقاية منها قد تهدد الحياة بسبب نقص الرعاية الطبية المناسبة في غزة.
ليس لديّ أو لزوجي عمل في الوقت الراهن ونعيشُ في بيت أهله. أنا كأمٍ أخوضُ صدمةً تفوق تحمُّلي وأشعرُ بالتيه في محاولتي التعامل مع صدمة طفلي والذي يجب أن يلهو الآن لا أن يعاني."
تم تهجير عائلة رباب قسراً من بيتهم في فلسطين التاريخية خلال النكبة قبل 75 عاماً؛ إلا أن رباب تؤمن أن النكبة لازالت مستمرة بالنسبة لها ولعائلتها في غزة:
"النكبة واضحةٌ في إفقارنا اقتصادياً، وفي حصارنا، وفي الهجمات ]العسكرية الإسرائيلية[ المتكررة ضدنا، وفي ظروفنا الصحية السيئة، وفي افتقارنا للمعدّات الطبية.
أحد أوجه نكبتنا المستمرة هو أن طفلي يحيى اُضطر لمعايشة الحرب الأخيرة في أيّار والتي كنا فيها خائفين طوال الوقت. هو لم يدرك ما كان يحدث ولكنّه شاهدنا نركض ونختبأ في كل مرة سمعنا فيها صوت قصف. لقد تعلّم بالرغم من طفولته الإسراع للاختباء خلف كرسي أو تحت طاولة حين سماع صوت انفجار بسبب قصف الطائرات الاسرائيلية."
وفي حديثنا عن المستقبل عرضت رباب مخاوفها بشأن سلامة يحيى:
"أخشى أنه ما لم تتغير الأمور وبسرعة أنه سيقضي معظم طفولته مختبأً خلف الكراسي وتحت الطاولات من قصف الطائرات الاسرائيلية. حتى بعد انتهاء الحرب بات كل صوتٍ عالٍ في الخارج يذكّره بذلك الرعب، ولا أُمَّ قد تتمنى ذلك لطفلها."
كما شاركتني رباب آمالَها بشأن صحة طفلها وظروف حياته في المستقبل:
"آملُ أن ينتهي الاحتلال وأن يتعافى يحيى دون الحاجة للعلاج في الخارج وإن تطلب الأمر ذلك أن نكون قادرين على سفره للعلاج. أُقدّم كل ما لديّ لطفلي من أجل حصوله على أفضل فرص التعليم ولكنّي مرتابةٌ ألا يضمن له كل ذلك حياة آمنة ومستقرة وأنه قد يخضع لذات ظروف المعيشة."
خطورة بالغة على الأطفال دون الخامسةتركني حديثي مع رباب متسائلةً عن شكل المستقبل الذي ينتظر يحيى وباقي الأطفال حديثي الولادة في غزة، ولم يبدُ ذلك المستقبل مشرقاً فاليوم يُفرض على الأطفال في غزة مواجهةُ الفقر وإنعدام الأمن وقصور الأمل؛ فمياه شربهم ملوثة، والطعام الذي بمقدورهم الحصول عليه يفتقر للمواد المغذيّة واللازمة لنموّهم، وكثيراً ما يعايشون الصدمة والرعب جرّاء القصف وأحداث العنف، ويصارعون اليأس اذا ما تتطلعوا للوصول للفرص في الخارج فاحتاجوا تصريحاً إسرائيلياً يسمح لهم بملاحقة تلك الفرص خارج السجن المفتوح الذي خلقته إسرائيل بحصارها لغزة التي وُلدوا فيها.
كما تشير التقديرات في ظل هذه البيئة القسرية إلى أن أكثر من 125,000 طفلٍ دون الخامسة في الأرض الفلسطينية المحتلة—ونسبة كبيرة منهم في غزة—"معرضون لخطر عدم تحقيق إمكاناتهم التنموية الكاملة". كما أنهم معرضون لخطر تقليص تحديات حياتهم وقصص معاناتهم لمجرّد أرقام تُسردُ في رواية الأزمة الإنسانية المستديمة (ولكن المختلقة والمدبّرة) في غزة.
لقد كفل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن "لكلِّ شخص حقٌّ في مستوى معيشة يكفي لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته" وأن "للأمومة والطفولة حقٌّ في رعاية ومساعدة خاصَّتين"، كما تم التوكيد على حقوق الأطفال في الصحة والكرامة في اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة في 1991، ولا يمكن إعمال هذه الحقوق دون فكِّ الإغلاق عن غزة وما ينطوي عليه من عقاب جماعي حتى بالأطفال الساكنين في القطاع.
وحتى يتسنّى ذلك سنواصل في ماب بذل كل ما نستطيع من أجل دعم أطفال غزة، ومن ضمن ذلك دعمنا لـعيادة جمعية أرض الإنسان وهي العيادة الوحيدة في خان يونس جنوب غزة التي تركز على حالات سوء التغذية بين الأطفال والعيادة الوحيدة في غزة التي توفر العلاج للأطفال والبالغين الذين يعانون من الاضطرابات الهضمية. استطاعت العيادة وعبر دعمنا لها في العام السابق الكشف على 9,117 طفلاً في سنّ المدرسة في محافظة خان يونس حيث بيّنت نتائج كشفها حاجة 22% من هؤلاء الأطفال للمتابعة عبر عيادتها للتعامل مع حالات سوء تغذيتهم.
بالرغم من كل تلك المعاناة والقهر لازال ممكناً للأطفال في غزة مثل يحيى أن يحصلوا على فرص في مستقبل أفضل: عبر المحبة من أسرهم وذويهم، وعبر الحرص والرعاية من شركائنا في غزة، وعبر الدعم الذي يقدّمه المتبرعون والمانحون والداعمون لنا.
نرجو لذلك فضلكم في ضمِّ صوتكم لحملتنا "جيل فلسطين" لنقف سوياً مع الفلسطينيين—صغارهم وكبارهم—من أجل ضمان طفولة مناسبة ومستقبل مشرق للجيل الفلسطيني الأحدث سناً فهم لا يمكنهم الانتظار أكثر من ذلك.
الصورة: رباب مع طفلها يحيى. (المصدر: شركة ريفليكشن ميديا /ماب)