كنتُ أتطلع للقاء فريق ماب في رام الله إلا أن الأمر بدى لفترة وكأن زيارتي قد تبدأ وتنتهي عند جسر اللنبي في الأردن؛ ولكن ولحسن الحظ تمكنتُ أخيراً وبالرغم من بعض التحديات من العبور من الأردن، وبعد استجواب السلطات الإسرائيلي لي حول سبب زيارتي حصلتُ أخيراً على التأشيرة الإسرائيلية ولكن لفترة قصيرة للغاية (ثلاثة أيام) وذلك بعد حوالي ثلاث ساعات من صعودنا الحافلةَ في الأردن لنقلنا عبر الجسر. كما تمَّ شَرحُ الأمر لي لاحقاً فإن تقصير مدة صلاحية التأشيرة ليس سوى واحدة من طرق عدّة يتم عبرها تقييد نشاط وحركة المنظمات الإنسانية—والفلسطينيين—بشكل متزايد، مثل نقاط التفتيش ومنع الوصول وشقِّ طرق جديدة تقسّم المجتمعات ومصادرة المزيد من الأراضي لصالح المستوطنين.
زرتُ عدّة مشاريع تابعة لماب خلال زيارتي التي امتدت لثلاث أيام، حيث شاهدتُ العيادة المتنقلة الأسبوعية التي يديرها شركاؤنا في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية في غور الأردن، كما زرتُ مركزاً تقوم النساء على إدارته خارج مخيم جنين للاجئين ومركز سبافورد وهو مؤسسة رائعة تقوم على تعزيز التعافي والأمل والنمو بين الأطفال الفلسطينيين وذويهم في المدينة القديمة في القدس الشرقية.
رأيتُ خلال الزيارة الأثرَ العميقَ الذي تصنعه ماب في حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية، كما أن طاقمنا المحلي والذي رافقني خلال زيارتي للمشاريع كانوا فخورين بعملنا وساعدوني كثيراً في إدراك معاناة الشعب الفلسطيني.
لقد أدركتُ سريعاً أنه وبينما ينظرُ العالم بذعر على الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة والحرب التي أشعلتها في لبنان أنه ووسائلُ الإعلام الدولي بالكاد يلاحظ التصعيد الكبير في عنف الجيش والمستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية.
رأيتُ بنفسي التسارع المهول في عملية بناء المستوطنات في الضفة الغربية في انتهاكٍ للقانون الدولي، كما أدركتُ الكيفية التي تتبعها إسرائيل في الاستيلاء على المزيد من أرض الفلسطينيين والسعي لتوسيع الاستيطان عبر طرد كل المجتمع المنتفع من العيادة المتنقلة التي زرتها. كما سمعتُ عن اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين على الفلسطينيين والحصانة التي يجدونها، ورأيتُ صوراً ومقطع فيديو لمستوطن يوقف أطفالاً فلسطينيين في طريقهم للمدرسة، وقابلتُ مزارعاً تم افقاره جرّاء سرقة المستوطنين لمعظم أغنامه، وسمعتُ عن هجمات المستوطنين المباشرة على الرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين.
كانت الأمور أكثر سوءً بقرب المركز النسائي التي تدعمه ماب في مخيم جنين للاجئين فقبل أسبوع من زيارتي تعرّض المخيم لـ"توغل" عسكري إسرائيلي وهي كلمة ترمز للإرهاب الجماعي المتمثل في القصف، وطائرات الإستطلاع، واطلاق النار من قِبل الجنود على الفلسطينيين، وتجريف الطرق، والتدمير واسع النطاق للمحلات التجارية والشركات والممتلكات السكنية؛ أما المأساة الأكبر فكانت حين تم اصطحابي إلى مقبرة جديدة رقد فيها من قُتلوا خلال العام الماضي والتي كان فيها قبورٌ كثيرةٌ تخللتها حُفرٌ صغيرة جداً مخصصةٌ للأطفال الذين قُتلوا والذين لا يمكن غفران مقتلهم. بكيتُ بصمتٍ عندما رأيتُ قبر طفل صغير كان في الثامنة من عمره ويقود دراجته حين تم إطلاق الرصاص عليه وقتله.
أما حول زيارتي لمستشفى فلسطيني في رام الله فقد بيّنت لي مدى الصعوبة التي تواجهها منظومة الرعاية الصحية في التعامل مع تحديات مهولة، كما بيّنت لي أهمية الدور الذي تلعبه ماب في هذا الصدد. تقوم إسرائيل بالإحجام عن تحويل إيرادات المقاصة الفلسطينية للسلطة الفلسطينية وهو ما يعني أن الأطباء وأفراد الطواقم الطبية لا يحصلون على رواتبهم الشهرية وأنهم يتلقون مستحقاتهم فقط بين الحين والآخر. كان هناك غرفة طوارئ جديدة تُبنى تلبيةً لحاجة ماسّة وعوضاً عن غرفة قديمة وشديدة الاكتظاظ إلا أن نقص التمويل يعني أنه لا يمكن استكمال بناءها أو تجهيزها.
التقيتُ خلال زيارتي بمسؤولين من وزارة الخارجية والتنمية البريطانية في القدس وكان مشجعاً لي أن أسمع إثناءهم الكبير على ماب وعملها وجهود المناصرة التي تبذلها، ولكنّي أعتقد أن ذلك دون قيمة تُذكر ما لم يحدث تغيير سياساتي جذري على مستوى الحكومة البريطانية ]في التعاطي بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة[.
آخر أفكاري حيال زيارتي الأولى والقصيرة هي أن الضفة الغربية مكان جميل بشكل غريب وأن القدس مدينة رائعة على عدة مستويات ولا يمكن مقارنتها بسواها—وأنه يجب أن يُسمح للناس من شتى الأديان والهويات الوطنية بالوصول إليها. لقد كان الفلسطينيون الذين قابلتهم في الضفة الغربية ودودين جداً ولكن أيضاً على درجة كبيرة من الصمود والإرادة.
كما أخبروني أنهم يريدون وبحاجة ماسّة من العالم أن يدرك معاناتهم.
نرجو تبرعكم الكريم اليوم للمساهمة في دعم استجابتنا الطارئة في الضفة الغربية وغزة ولبنان
صورة: المدير التنفيذي المؤقت لماب، ستيف كَتس، مع طاقم العيادة المتنقلة التي تديرها جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية