تقع محافظة سلفيت في شمال غرب الضفة الغربية المحتلة وهي محاطة بـ24 مستوطنة إسرائيلية غير قانونية من ضمنها مستوطنة آرئيل التي تُعتبر رابع أكبر مستوطنة إسرائيلية في الضفة الغربية. يبلغ عدد السكّان الفلسطينيين في سلفيت 82,000 بما يجعلها المنطقة الوحيدة في الضفة الغربية التي يفوق فيها عددُ المستوطنين الإسرائيليين—الذي يزيد عن 100,000—عددَ السكّان الفلسطينيين.
بالرغم من وقوع سلفيت تحت حكم السلطة الفلسطينية مدنياً وأمنياً إلا أن القوات الإسرائيلية تتحكم في حركة ووصول الفلسطينيين من 17 قرية ضمن المحافظة وتفرض سيطرتها عبر البوابات الحديدية التي يمكنها إغلاقها في أي وقت وبما يقسّم القرى ويعزلها عن باقي المحافظة وخاصةً عن مدينة سلفيت.
في حديثه عن أثر هذا الحرمان من الوصول يقول د. عبد الرحمن عبد الهادي—طبيب أسرة ورئيس قسم الشؤون الصحية في مديرية وزارة الصحة الفلسطينية في سلفيت: "هناك تحدٍ حقيقي في الوصول للرعاية الصحية في المحافظة. نحن نتحدث عن إغلاقات للقرى بشكل أسبوعي وعزلها عن المستشفى الوحيد الموجود في مدينة سلفيت. إغلاق البوابات الحديدية يعني منع سيارات الإسعاف والمرضى والأطباء من العبور. تخيّل عواقب هذا التقسيم الممنهج."
ويتابع د. عبد الهادي: "يتم أحياناً إغلاق البوابات لعدة أيام أو حتى أسابيع، وفي مثل هذه الأحيان يضطر الناس في حالات الطوارئ لقطع مسافات طويلة من القرية إلى المستشفى في نابلس والتي تبعد 50كم عن سلفيت. يأتي العديد من أعضاء طواقمنا الطبية من قرى مجاورة وغالباً ما يتم تأخيرهم أو حرمانهم من الوصول للمدينة وهو ما يوضح الحالة المزمنة من منع أو تأخير الطواقم الطبية عن تقديم خدماتها الضرورية."
كان د. عبد الهادي قد شارك ضمن مجموعة من أطباء الأسرة في برنامج إقامة تدريبي أطلقته جمعية العون الطبي للفلسطينيين (ماب) ومؤسسة طب الأسرة في فلسطين وجامعة النجاح الوطنية في نابلس حيث يقدم البرنامج للمتدربين المهارات اللازمة لتطبيق نموذج طب الأسرة في عملهم. يُعدُّ البرنامج هو الأول من نوعه في الضفة الغربية حيث يتيح للأطباء الفلسطينيين فرصة الممارسة والتدرب في مراكز جديدة لتدريب أطباء الأسرة، وقد تخرّج من البرنامج حتى الآن 40 مقيماً مختصاً في طب الأسرة.
وفي إشارته لأهمية تخصص طب الأسرة في المحافظة يضيف د. عبد الهادي: "بدأ الناس في سلفيت بالذهاب لمختصي طب الأسرة لأنهم أصبحوا قادرين على رؤية أهمية هذا التخصص". ولكن، المرضى لازالوا يواجهون عقبات جسيمة في تلقي العلاج بسبب الممارسات الإسرائيلية التي تقيّد الوصول للرعاية الصحية في المحافظة—بالإضافة إلى افتقاد المنطقة لمرافق الرعاية الصحية الأولية. تضمّ محافظة سلفيت 18 عيادة ومركز رعاية صحية حكومي تقدم جميعها خدمات الرعاية الأولية ولا تمتلك المحافظة سوى مستشفى واحدة فقط لحالات الطوارئ والرعاية الثانوية. يعقّب د. عبد الهادي على ذلك: "ما لم نستطع رفع القيود الإسرائيلية على الحركة أو على الأقل ضمان ممر إنساني آمن لسيارات الإسعاف والأطباء والمرضى فإن ذلك يقتضي علينا توفير رعاية الطوارئ للناس في قراهم."
يقدم نموذج طب الأسرة العديد من المزايا في توفير الرعاية الصحية من بينها قدرته على تحسين رعاية وإدارة الأمراض المزمنة والتحديات الصحية التي يواجهها المسنّون، ويُعدُّ تطوير هذا الإختصاص في الأرض الفلسطينية المحتلة مهماً لما يكفله من وصول الفلسطينيين بشكل كفؤٍ وعادل لرعاية صحية أولية فعّالة ومعقولة التكلفة وذات جودة عالية.
يشكّل برنامج الإقامة في طب الأسرة واحداً من نتائج عمل استمر لأكثر من عشر سنوات لتعزيز ممارسة طب الأسرة في الضفة الغربية، وهو عمل تشاركت فيه ماب ووزارة الصحة الفلسطينية وجامعة النجاح الوطنية والأنروا ومؤسسة طب الأسرة.
يعبّر د. عبد الهادي عن شعوره بالفخر لكونه طبيب أسرة: "منحني التخصصُ المعرفة للقيام بتشخيص مبكر للعديد من الأمراض الوراثية ومساعدة الكثير من الناس. يمكنني علاج الحالات المزمنة وتقييم الأعراض وتقديم الرعاية الوقائية وإرشاد الناس حين حاجتهم لرؤية مختص."
حرمان النساء الحوامل من الوصول للرعاية الصحيةتنطوي صعوبة الوصول للرعاية الصحية على أثر بالغ على النساء الحوامل حيث يحتجن لفحوصات دورية في مديرية وزارة الصحة في سلفيت—المرفق الصحي الحكومي الوحيد الذي يمتلك جهاز التشخيص عبر الموجات فوق الصوتية. تقول ريم أبو حجلة—مسؤولة الممرضات في مديرية الصحة في سلفيت: "تقوم الكثير من النساء الحوامل بإلغاء مواعيد فحوصاتهن بسبب ]منعهن[ من الوصول حيث يقوم الجيش الإسرائيلي بإغلاق بوابة قريتهن أو يقوم المستوطنون بمهاجمة السيارات على الطرق. لدي أيضاً دراية ببعض الحالات التي اضطرت فيها نساء حوامل لولادة أطفالهن على جانب الطريق لأنهن لم يستطعن الوصول للمستشفى في وقت مناسب."
يشكل عنف المستوطنين الإسرائيليين خطراً آخراً يواجهه الفلسطينيون في سلفيت بشكل متكرر—بمن فيهم أفراد الطواقم الطبية. تشير ريم إلى ذلك بقولها: "تعرض العديد من زملائي في طريقهم للعمل لهجمات المستوطنين. يمتنع غالبية الناس عن مغادرة بيوتهم بعد حلول الليل خشية تعرضهم للهجوم من قِبل المستوطنين."
بالرغم من أهمية العمل التي تسعى ماب عبره لتعزيز ممارسة طب الأسرة إلا أن قدرة الفلسطينيين على التمتع بحقوقهم في الصحة والكرامة تبقى مرهونة بإنتهاء التمييز والتقسييم الإسرائيليين الممنهجين والذين ينطويان على استعمال القوة المفرطة ضد المدنيين الفلسطينيين وعلى اعتداءات ضد أفراد الطواقم الطبية.
إذا كنتم تشاركوا الرأي بأن لكل فلسطيني الحق في حرية الحركة وفي تلقي الرعاية الصحية فقوموا بمناصرة ذلك اليوم.